أهمية السيمينارات وحلقات النقاش في الكنيسة

ليس الحوار عملية مواجهة؛ لكنه وسيلة تواصل متبادل للوصول إلى حلول وخيارات وبدائل.. فبالحوار نتناقش لنصل إلى قناعات نتغلب بها على العقبات لإحراز تقدم يوصلنا إلى حل معضلات تواجهنا فى حقل الخدمة المتسع. لذلك ومن واقع خبرة؛ نجد ضرورة شديدة فى اقتناص الفرص كلما أمكن عمل سيمينارات تحدد أولويات النقاش؛ حتى نكتشف بالحوار ما ينقصنا من حقائق مخفية وخبرات ثرية ورؤىً لازمة لنا، معيارها العام الرزانة والتعقل وتمييز الأرواح (١ كو ١٢: ١٠)، واستعلان مشيئة الله فى الحاضر.

في أحيان كثيرة نتبع ثقافة الارتجال ونتمترس في عقلية أحادية متخندقة؛ فنخسر الكثير من الخبرات المميزة، ونبقى في التكرار والمحاكاة دون الدراسة الكافية، وفي أحيان أخري نرفض الحوار بحجة الحفاظ على ماهو قائم أو اعتبار أن الحوار مع الآخر نوع من التضاد، خاصة عندما تطفو الأبعاد الشخصية (subjectivity) على حساب الموضوعية (objectivity). وهذا الأمر الذي نبّه إليه الرسول بولس: (أنتم مشحونون صلاحًا ومملوءون من كل علم؛ قادرون أن ننذر بعضنا بعضًا) (رو ١٥: ١٤)؛ تاركين الجهالات لنحيا (أم ٩: ٦).

فالحوار هو منتج إنساني؛ وهو حق الإنسان في التعبير والملاحظة والتجربة والتبويب والمقارنة والتحليل واستنباط الدروس، لتنصهر فى بوتقة العمل الكنسي… الأفكار الغيورة تسبق العمل وتوجّه طريقه إلى ما هو قدام، كصدىً ناتج عن شركة الجميع في التعمق في دراسة القضايا والمتغيرات، واستيعاب الاتجهات لإدراك ماهيته طرديًا مع الإعداد للمستقبل والحوار، بلغة استراتيجية (strategic action) تقوم بخلق قواعدها الخاصة بها أثناء الاستخدام في العمل الكنسي، الذي يقوم على أساس مواهب أعضاء الجسد الذين يؤدون الخدمة معتمدين على بعضهم البعض.

وهو ما يحدد الخريطة الإدراكية المستفيضة لكل تفاصيل الخدمات الكنسية على أرض الواقع، متجهين ببوصلتنا لإدراك هويتنا وتركيبتنا لنعيش إنجيلنا ونسلك أخلاقنا ونفتخر بتاريخنا؛ ونفهم عقيدتنا ونشهد لإيماننا، كعمل لوحة الموزاييك القبطية.. زاهية الألوان؛ واضحة المعالم؛ محددة طريق الحياة الأفضل.

الأخذ بثقافة الحوار هي طريق المحبة والارادة، وبها تُزال الحواجز المصطنعة وتتصحح المفاهيم الخاطئة؛ وهدم الظنون ضد ثقافة الشجار والجدار، بالحوار الحقيقي الصادق، وبمضاعفة القدرة على التفكير والتعبير والتقدير. لقد ظن الخلقيدونيون واللاخلقيدونيون؛ وظلوا لمدة خمسة عشر قرنًا يتهمون بعضهم بعضًا بالهرطقة، لكن باللقاء والحوار اللاهوتى الهادف؛ اتضح لهما أنهما يقتنيان نفس الإيمان الأرثوذكسي الصحيح بربنا يسوع المسيح. وأن الخلاف الذي استدام كان خلافًا واختلافًا لغويًا ولفظيًا؛ ولم يكن اختلافًا مصيريًا عقيديًا، فهلُمّ نتحاجج ونتحوار ونتلاقى.

في السيمينارات (seminars) نضع الموضوعات المطروحة للمناقشة المبنية على مبدأ التفاعلية والتباحث العلمي… لكي وبهذا يكون السيمينار فى مجمله حلقة: (١) بحثية؛ (٢) عملية؛ (٣) تطبيقية؛ وأحيانًا تسمى (tutorial) بمعنى جلسة إنجاز بحث علمي؛ يتم فيها تبادل الآراء ضمن تقارير تُبرزها وتبلورها في صورة نتائج ضمن قضية معينة؛ يكون النقاش فيها محضّرًا مسبقًا للتداول والحوار. أغنياء في كل كلمة وكل علم، غير ناقصين في موهبة ما (١ كو ١: ٧).

لقد انتهجت مدرسة الأسكندرية اللاهوتية طريقة ارتياد حلبة النقاش لحل المعضلات وتثبيت مدلولات الألفاظ والمفردات اللاهوتية والإجابة على تساؤلات الموعوظين والردود والتفاسير والدفاعيات؛ ليكون المؤمن كالنحلة النشطة التى تنشط لتجمع الرحيق الحلو من المروج والخضرة. الأمر الذي يساهم في ولادة الأفكار وعجنها وتشكيلها؛ ووضع خريطة تضاريسية لها، ينطلق من فِقه الواقع والأولويات لاستشراف المستقبل، بحسب النعمة المعطاة لنا؛ كأساس ثابت مكين في كنيستنا.

ما أحلى أن تكون كنيستنا القبطية العصرية؛ تحيا جذورها المغروسة كالتخم القديم، مصلية لربها وعريسها إله القوات كي يصلحها ويثبتها.. ويجدد أيامها كالقديم (جدد أيامنا كالقديم)، حتى لا نعاني فقر الإبداع وإثراء التكرار، بل حارسين (لموهبة الحق) بأمانة إلى مجيء فادينا ومليكنا.

القمص أثناسيوس فهمي جورج

Share this post